فصل: بين يدي السورة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



تعرض هذه السورة جانبًا مما كانت الدعوة الإسلامية تلاقيه من مصاعب وعقبات؛ ومن جدال واعتراضات. وتعرض معها كيف كان القرآن الكريم يعالجها في النفوس؛ وكيف يقرر في ثنايا علاجها حقائقه وقيمه في مكان الخرافات والوثنيات والقيم الجاهلية الزائفة، التي كانت قائمة في النفوس إذ ذاك، ولا يزال جانب منها قائمًا في النفوس في كل زمان ومكان.
كانت الوثنية الجاهلية تقول:إن في هذه الأنعام التي سخرها الله للعباد، نصيبًا لله، ونصيبًا لآلهتهم المدعاة.
{وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم} وكانت لهم في الأنعام أساطير شتى وخرافات أخرى كلها ناشىء من انحرافات العقيدة. فكانت هناك أنواع من الأنعام محرمة ظهورها على الركوب- وأنواع محرمة لحومها على الأكل: {وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء- بزعمهم- وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه}.
وفي هذه السورة تصحيح لهذه الانحرافات الاعتقادية؛ ورد النفوس إلى الفطرة وإلى الحقائق الأولى. فالأنعام من خلق الله، وهي طرف من آية الحياة، مرتبط بخلق السماوات والأرض جميعًا. وقد خلقها الله وسخرها للبشر ليذكروا نعمة ربهم عليهم ويشكروها؛ لا ليجعلوا له شركاء، ويشرعوا لأنفسهم في الأنعام ما لم يأمر به الله؛ بينما هم يعترفون بأن الله هو الخالق المبدع؛ ثم هم ينحرفون عن مقتضى هذه الحقيقة التي يقرون بها، ويعزلونها عن حياتهم الواقعة، ويتبعون خرافات وأساطير: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون}.
وكانت الوثنية الجاهلية تقول:إن الملائكة بنات الله؛ ومع أنهم هم يكرهون مولد البنات لهم، فإنهم كانوا يختارون لله البنات! ويعبدونهم من دونه، ويقولون:إننا نعبدهم بمشيئة الله ولو شاء ما عبدناهم! وكانت مجرد أسطورة ناشئة من انحراف العقيدة.
وفي هذه السورة يواجههم بمنطقهم هم؛ ويحاجهم كذلك بمنطق الفطرة الواضح، حول هذه الأسطورةالتي لا تستند إلى شيء على الإطلاق: {وجعلوا له من عباده جزءًا إن الإنسان لكفور مبين أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون أم آتيناهم كتابًا من قبله فهم به مستمسكون بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون}.
ولما قيل لهم:إنكم تعبدون أصنامًا وأشجارًا وإنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم، وقيل لهم:إن كل معبود من دون الله هو وعابدوه في النار. حرفوا الكلام الواضح البين، واتخذوا منه مادة للجدل. وقالوا:فما بال عيسى وقد عبده قومه؟ أهو في النار؟! ثم قالوا:إن الأصنام تماثيل الملائكة والملائكة بنات الله. فنحن في عبادتنا لهم خير من عبادة النصارى لعيسى وهو بشر له طبيعة الناس!
وفي هذه السورة يكشف عن التوائهم في هذا الجدل؛ ويبرى ء عيسى- عليه السلام- مما ارتكبه أتباعه من بعده وهو منه بريء: {ولما ضرب ابن مريم مثلًا إذا قومك منه يصدون وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلًا بل هم قوم خصمون إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلًا لبني إسرائيل}.
وقد كانوا يزعمون أنهم على ملة أبيهم إبراهيم، وأنهم بذلك أهدى من أهل الكتاب وأفضل عقيدة. وهم في هذه الجاهلية الوثنية يخبطون.
فبين لهم في هذه السورة حقيقة ملة إبراهيم، وأنها ملة التوحيد الخالص، وأن كلمة التوحيد باقية في عقبه، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاءهم بها، ولكنهم استقبلوها واستقبلوه بغير ما كان ينبغي من ذرية إبراهيم: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون}.
ولم يدركوا حكمة اختيار الله- سبحانه- لرسوله صلى الله عليه وسلم ووقفت في وجوههم القيم الأرضية الزائفة الزهيدة التي اعتادوا أن يقيسوا بها الرجال.
وفي هذه السورة يحكي تصوراتهم وأقوالهم في هذا الصدد؛ ويرد عليها ببيان القيم الحقيقية، وزهادة القيم التي يعتبرونها هم ويرفعونها: وقالوا:لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم:أهم يقسمون رحمة ربك؟ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات، ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا، ورحمة ربك خير مما يجمعون. ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفًا من فضة ومعارج عليها يظهرون، ولبيوتهم أبوابًا وسررًا عليها يتكؤون، وزخرفًا. وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا، والآخرة عند ربك للمتقين.
ثم جاء بحلقة من قصة موسى- عليه السلام- مع فرعون، يبدو فيها اعتزاز فرعون بمثل تلك القيم الزائفة، وهوانها على الله، وهوان فرعون الذي اعتز بها، ونهايته التي تنتظر المعتزين بمثل ما اعتز به: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذي هو مهينولا يكاد يبين فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قومًا فاسقين فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفًا ومثلًا للآخرين}.
الدرس الأول:
1- 8 إنزال القرآن ونقاش الكفار حوله:
حول تلك الأساطير الوثنية والانحرافات الاعتقادية، وحول تلك القيم الصحيحة والزائفة، تدور السورة، وتعالجها على النحو الذي تقدم. في أشواط ثلاثة تقدم أولها- قبل هذا- وأشرنا إلى بعض مادة الأشواط الأخرى في بعض المقتطفات من آيات السورة. اهـ.

.قال الصابوني:

سورة الزخرف مكية وآياتها تسع وثمانون آية.

.بين يدي السورة:

سورة الزخرف مكية، وقد تناولت أسس العقيدة الإسلامية وأصول الإيمان، (الإيمان بالوحدانية، وبالرسالة، وبالبعث والجزاء) كشأن سائر السور المكية.
عرضت السورة لإثبات مصدر الوحي، وصدق هذا القرآن، الذي أنزله الله على النبي الأمي، بأفصح لسان، وأنصع بيان، ليكون معجزة واضحة للنبي العربي: {حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} الآيات.
ثم عرضت لذكر دلائل قدرته تعالى ووحدانيته، منبثة في هذا الكون الفسيح، في السماء والأرض، والجبال والوهاد، والبحار والأنهار، والماء آلهأطل من السماء، والسفن التي تسير فوق سطح الماء، والأنعام التي سخرها الله للبشر، ليأكلوا لحومها ويركبوا ظهورها {الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون}، {والذى نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون} الآيات.
ثم تناولت السورة ما كان عليه (المجتمع الجاهلي) من الخرافات والوثنيات، فقد كانوا يكرهون البنات، ومع ذلك اختاروا لله البنات سفها وجهلا، فزعموا أن الملائكة بنات الله، فجاءت الآيات لتصحيح تلك الإنحرافات، وترد النفوس إلى الفطرة، وإلى الحقائق الأولى القطعية {وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين}؟ الآيات.
وتحدثت السورة بايجاز عن دعوة (الخليل إبراهيم) عليه السلام، الذي يزعم المشركون أنهم من سلالته وعلى ملته، فكذبتهم قي تلك الدعوى، وبينت الآيات أن إبراهيم أول من تبرأ من الأوثان {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون}الآيات.
ثم انتقلت إلى تفنيد تلك الشبهة السقيمة، التي أثارها المشركون حول رسالة محمد عليه السلام، فقد اقترحوا أن تتنزل الرسالة على رجل من أهل الجاه والثراء، لا على يتيم فقير كمحمد صلى الله عليه وسلم فجاءت الآيات لتقرير أن الجاه والثراء ليسا ميزانا لكرامة الإنسان، واستحقاقه المناصب الرفيعة، وأن الدنيا من الحقارة والمهانة، بحيث لو شاء الله لأغدقها على الكافرين، ومنعها عباده المؤمنين {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون رحمة ربك}الآيات.
وذكرت السورة قصة (موسى وفرعون) لتأكيد تلك الحقيقة السابقة، فها هو فرعون الجبار، يعتز ويفخر على موسى بملكه وسلطانه، كما يعتز الجاهلون من رؤساء قريش على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تكون نتيجته الغرق والدمار.
{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون} الآيات.
وختمت السورة الكريمة ببيان بعض أحوال الآخرة وشدائدها وأهوالها، وبيان حال الأشقياء المجرمين، وهم يتقلبون في غمرات الجحيم {إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} الآيات إلى نهاية السورة الكريمة.

.التسمية:

سميت سورة (الزخرف) لما فيها من التمثيل الرائع- لمتاع الدنيا الزائل وبريقها الخادع- بالزخرف اللامع، الذي ينخدع به الكثيرون، مع أنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، ولهذا يعطيها الله للأبرار والفجار، وينالها الأخيار والأشرار، أما الآخرة فلا يمنحها الله إلا لعباده المتقين، فالدنيا دار الفناء، والآخرة دار البقاء. اهـ.

.قال أبو عمرو الداني:

سورة الزخرف مكية وقد ذكر نظيرتها في الشامي ولا نظير لها في غيره.
وكلمها ثماني مائة وثلاث وثلاثون كلمة وحروفها ثلاثة آلاف وأربعمائة حرف.
وهي ثمانون وثمان في الشامي وتسع في عدد الباقين.
اختلافها آيتان {حم} عدها الكوفي ولم يعدها الباقون {هو مهين} لم يعدها الكوفي والشامي وعدها الباقون.
وفيها مما يشبه الفواصل وليس معدودا بإجماع موضع واحد {ليصدونهم عن السبيل}.

.ورءوس الآي:

1 {المبين}.
2 {تعقلون}.
3 {حكيم}.
4 {مسرفين}.
5 {الأولين}.
6 {يستهزئون}.
7 {الأولين}.
8 {العليم}.
9 {تهتدون}.
10 {تخرجون}.
11 {تركبون}.
12 {مقرنين}.
13 {لمنقلبون}.
14 {مبين}.
15 {بالبنين}.
16 {كظيم}.
17 {غير مبين}.
18 {ويسألون}.
19 {يخرصون}.
20 {مستمسكون}.
21 {مهتدون}.
22 {مقتدون}.
23 {كافرون}.
24 {المكذبين}.
25 {تعبدون}.
26 {سيهدين}.
27 {يرجعون}.
28 {مبين}.
29 {كافرون}.
30 {عظيم}.
31 {يجمعون}.
32 {يظهرون}.
33 {يتكئون}.
34 {للمتقين}.
35 {قرين}.
36 {مهتدون}.
37 {القرين}.
38 {مشتركون}.
39 {مبين}.
40 {منتقمون}.
41 {مقتدرون}.